فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فائدة: اتفق القراء على إثبات الياء في كيدوني هنا وقفًا ووصلًا لثباتها في المصحف: {ثم لا تنظرون} أي: تمهلون، وهذا فيه معجزة عظيمة لهود عليه السلام؛ لأنه كان وحيدًا في قومه وقال لهم هذه المقالة ولم يهبهم ولم يخف منهم مع ما هم فيه من الكفر والجبروت ثقة بالله تعالى كما قال تعالى: {إني توكلت على الله ربي وربكم} أي: فوضت أمري إليه واعتمدت عليه: {ما من دابة} تدب على الأرض ويدخل في هذا جميع بني آدم والحيوان؛ لأنّهم يدبون على الأرض: {إلا هو آخذ بناصيتها} أي: مالكها وقاهرها فلا يقع نفع ولا ضر إلا بإذنه والناصية كما قال الأزهري: عند العرب منبت الشعر في مقدّم الرأس، وسمي الشعر النابت هنا ناصية باسم منبته، والعرب إذا وصفوا إنسانًا بالذلة والخضوع قالوا: ما ناصية فلان إلا بيد فلان، وكانوا إذا أسروا الأسير وأرادوا إطلاقه والمنّ عليه جزوا ناصيته ليكون ذلك علامة لقهره، فخوطبوا في القرآن بما يعرفون من كلامهم: {إن ربي على صرط مستقيم} أي: طريق الحق والعدل فلا يظلمهم ولا يعمل إلا بالإحسان والإنصاف فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بعصيانه. وقوله تعالى: {فإن تولّوا} فيه حذف إحدى التاءين، أي: تعرضوا: {فقد أبلغتكم} جميع: {ما أرسلت به إليكم} فإن قيل: الإبلاغ كان قبل التولي فكيف وقع جزاء للشرط؟
أجيب: بأنّ معناه فإن تتولوا لم أعاتب على تقصير من جهتي وصرتم محجوجين؛ لأنكم أنتم الذين أصررتم على التكذيب وقوله: {ويستخلف ربي قومًا غيركم} استئناف بالوعيد لهم بأنّ الله تعالى يهلكهم ويستخلف قومًا آخرين في ديارهم وأموالهم يوحدونه تعالى ويعبدونه: {ولا تضرّونه} أي: الله بإشراككم: {شيئًا} من الضرر إنما تضرون أنفسكم. وقيل: لا تنقصونه شيئًا إذا أهلككم؛ لأنّ وجودكم وعدمكم عنده سواء: {إنّ ربي على كلِّ شيء} صغير أو كبير، حقير أو جليل.
{حفيظ}، أي: رقيب عالم بكل شيء وقادر على كل شيء فيحفظني أن تنالوني بسوء أو حفيظ لأعمال العباد حتى يجازيهم عليها، أو حفيظ على كل شيء يحفظه من الهلاك إذا شاء ويهلكه إذا شاء.
{ولما} لم يرجعوا ولم يرعووا ببينة ولا رغبة ولا رهبة: {جاء أمرنا} أي: عذابنا، وذلك هو ما نزل بهم من الريح العقيم عذبهم الله تعالى بها سبع ليالٍ وثمانية أيام حسومًا تدخل في مناخرهم وتخرج من أدبارهم وترفعهم وتضربهم على الأرض على وجوههم حتى صاروا كأعجاز نخل خاوية، وهنا همزتان مفتوحتان من كلمتين. قرأ قالون والبزي وأبو عمرو بإسقاط الأولى، وقرأ ورش وقنبل بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية والباقون بتحقيقهما، {نجينا هودًا والذين آمنوا معه}، أي: من هذا العذاب وكانوا أربعة آلاف: {برحمةٍ منا} لأنّ العذاب إذا نزل قد يعمّ المؤمن والكافر، فلما أنجى الله تعالى المؤمنين من ذلك العذاب كان برحمته وفضله وكرمه: {ونجيناهم من عذاب غليظ} هو عذاب الآخرة. ووصفه بالغلظ؛ لأنه أغلظ من عذاب الدنيا أو نجينا هودًا والذين آمنوا معه من أن يصل إليهم الكفار بسوء مع اجتهادهم في ذلك، ونجيناهم من عذاب غليظ هو الريح المذكورة. ولما ذكر الله تعالى قصة عاد خاطب أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال: {وتلك عاد} وهو إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه تعالى قال: سيحوا في الأرض فانظروا إليها واعتبروا، ثم إنه تعالى جمع أوصافهم ثم ذكر عاقبة أحوالهم في الدنيا والآخرة، أمّا أوصافهم فثلاثة: الصفة الأولى: قوله تعالى: {جحدوا بآيات ربهم}، أي: بالمعجزات التي أتى بها هود عليه السلام. الصفة الثانية: قوله تعالى: {وعصوا رسله}، أي: هودًا وحده، وإنما أتى به بلفظ الجمع إمّا للتعظيم، أو لأنّ من عصى رسولًا فقد عصى جميع الرسل لقوله تعالى: {لا نفرّق بين أحد من رسله} (البقرة). الصفة الثالثة: قوله تعالى: {واتبعوا أمر كل جبارٍ عنيد}، أي: أنّ السفلة كانوا يقلدون الرؤساء في قولهم ما هذا إلا بشر مثلكم، فأطاعوا من دعاهم إلى الكفر وما يرديهم، وعصوا من دعاهم إلى الإيمان ولا يرديهم، والجبار: المرتفع المتمرد، والعنيد والعنود والمعاند هو المنازع المعارض. ولما ذكر تعالى أوصافهم ذكر أحوالهم بقوله تعالى: {وأتبعوا في هذه الدنيا لعنةً ويوم القيامة}، أي: جعل اللعن رديفًا لهم ومتابعًا ومصاحبًا في الدنيا والآخرة. ومعنى اللعنة: الإبعاد من رحمة الله تعالى ومن كل خير، وقيل: اللعنة في الدنيا من الناس وفي الآخرة لعنة على رؤوس الأشهاد. ثم إنه تعالى بين السبب الأصلي في نزول هذه الأحوال المكروهة بهم بقوله تعالى: {ألا إن عادًا كفروا ربهم}، أي: كفروا بربهم، فحذف الباء أو أنّ المراد بالكفر الجحد، أي: جحدوا ربهم. وقيل: هو من باب حذف المضاف، أي: كفروا نعمة ربهم.
تنبيه: ألا أداة استفتاح لا تذكر إلا بين كلام يعظم موقعه ويجل خطبه، ثم قال: {ألا بعدًا لعاد} دعاء عليهم بالهلاك. والمراد به الدلالة على أنهم كانوا مستوجبين لما نزل بهم بسبب ما حكي عنهم، وإنما كرر ألا وأعاد ذكرهم تفظيعًا لأمرهم وحثًا على الاعتبار بحالهم. وقوله تعالى: {قوم هود} عطف بيان لعاد وفائدته تمييزهم من عاد الثانية عاد إرم والإيماء إلى استحقاقهم للبعد بما جرى بينهم وبين هود. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ}
قوله: {وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} معطوف على: {ولقد وأرسلنا نوحًا}: أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم: أي: واحدًا منهم، وهودًا عطف بيان، وقوم عاد كانوا عبدة أوثان، وقد تقدّم مثل هذا في الأعراف.
وقيل: هم عاد الأولى وعاد الأخرى، فهؤلاء هم عاد الأولى، وعاد الأخرى هم: شداد ولقمان وقومهما المذكورون في قوله: {إِرَمَ ذَاتِ العماد} [الفجر: 7]، وأصل عاد، اسم رجل، ثم صار اسمًا للقبيلة كتميم وبكر، ونحوهما: {مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} قرئ {غيره} بالجر على اللفظ.
وبالرفع على محل من إله، وقرئ بالنصب على الاستثناء: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ} أي: ما أنتم باتخاذ إله غير الله إلا كاذبون على الله عزّ وجلّ، ثم خاطبهم فقال: {لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} أي: لا أطلب منكم أجرًا على ما أبلغه إليكم، وأنصحكم به من الإرشاد إلى عبادة الله وحده، وأنه لا إله لكم سواه، فالضمير راجع إلى مضمون هذا الكلام.
وقد تقدّم معنى هذا في قصة نوح: {إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الذى فَطَرَنِى} أي: ما أجري الذي أطلب إلا من الذي فطرني: أي: خلقني فهو الذي يثيبني على ذلك: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أن أجر الناصحين إنما هو من ربّ العالمين.
قيل: إنما قال فيما تقدّم في قصة نوح: مالًا، وهنا قال: أجرًا لذكر الخزائن بعده في قصة نوح، ولفظ المال بها أليق، ثم أرشدهم إلى الاستغفار والتوبة.
والمعنى: اطلبوا مغفرته لما سلف من ذنوبكم، ثم توسلوا إليه بالتوبة.
وقد تقدّم زيادة بيان لمثل هذا في قصة نوح، ثم رغبهم في الإيمان بالخير العاجل، فقال: {يُرْسِلِ السماء} أي: المطر: {عَلَيْكُمْ مُّدْرَارًا} أي: كثير الدرور، وهو منصوب على الحال، درّت السماء تدرّ، وتدرّ، فهي: مدرار، وكان قوم هود أهل بساتين، وزرع، وعمارة، وكانت مساكنهم الرمال التي بين الشام واليمن: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ} معطوف على يرسل: أي: شدّة مضافة إلى شدّتكم، أو خصبًا إلى خصبكم، أو عزًّا إلى عزّكم.
قال الزجاج: المعنى يزدكم قوّة في النعم: {وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ} أي: لا تعرضوا عما أدعوكم إليه، وتقيموا على الكفر مصرّين عليه، والإجرام: الآثام كما تقدّم.
ثم أجابه قومه بما يدلّ على فرط جهالتهم، وعظيم غباوتهم، فقالوا: {ياهود مَا جِئْتَنَا بِبَيّنَةٍ} أي: بحجة واضحة نعمل عليها، ونؤمن لك بها غير معترفين بما جاءهم به من حجج الله وبراهينه، عنادًا وبعدًا عن الحق: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى ءالِهَتِنَا} التي نعبدها من دون الله، ومعنى: {عَن قَوْلِكَ} صادرين عن قولك، فالظرف في محل نصب على الحال: {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} أي: بمصدّقين في شيء مما جئت به: {إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعتراك بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوء} أي: ما نقول إلا أنه أصابك بعض آلهتنا التي تعيبها، وتسفه رأينا في عبادتها بسوء بجنون، حتى نشأ عن جنونك ما تقوله لنا، وتكرره علينا من التنفير عنها، يقال عراه الأمر واعتراه: إذا ألمّ به، فأجابهم بما يدلّ على عدم مبالاته بهم، وعلى وثوقه بربه وتوكله عليه، وأنهم لا يقدرون على شيء مما يريده الكفار به، بل الله سبحانه هو الضارّ النافع فقَالَ: {إِنِى أُشْهِدُ الله واشهدوا} أنتم: {إِنّى بَرِئ مّمَّا تُشْرِكُونَ} به: {مِن دُونِهِ} أي: من إشراككم من دون الله من غير أن ينزل به سلطانًا: {فَكِيدُونِى جَمِيعًا} أنتم وآلهتكم إن كانت كما تزعمون من أنها تقدر على الإضرار بي، وأنها اعترتني بسوء: {ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ} أي: لا تمهلوني، بل عاجلوني واصنعوا ما بدا لكم؛ وفي هذا من إظهار عدم المبالاة بهم وبأصنامهم التي يعبدونها ما يصكّ مسامعهم، ويوضح عجزهم، وعدم قدرتهم على شيء.
{إِنّى تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبّى وَرَبّكُمْ} فهو: يعصمني من كيدكم، وإن بلغتم في تطلب وجوه الإضرار بي كل مبلغ، فمن توكل على الله كفاه.
ثم لما بين لهم توكله على الله وثقته بحفظه وكلاءته، وصفه بما يوجب التوكل عليه والتفويض إليه من اشتمال ربوبيته عليه وعليهم، وأنه مالك للجميع، وأن ناصية كل دابة من دوابّ الأرض بيده، وفي قبضته وتحت قهره، وهو تمثيل لغاية التسخير ونهاية التذليل، وكانوا إذا أسروا الأسير وأرادوا إطلاقه، والمنّ عليه جزوا ناصيته، فجعلوا ذلك علامة لقهره.
قال الفراء: معنى آخذ بناصيتها: مالكها والقادر عليها، وقال القتيبي: قاهرها لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته.
والناصية: قصاص الشعر من مقدّم الرأس؛ ثم علل ما تقدّم بقوله: {إِنَّ رَبّى على صراط مُّسْتَقِيمٍ} أي: هو على الحق والعدل، فلا يكاد يسلطكم عليّ: {فَإِن تَوَلَّوْاْ} أي: تتولوا فحذفت إحدى التاءين، والمعنى: فإن تستمروا على الإعراض عن الإجابة والتصميم على ما أنتم عليه من الكفر: {فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} ليس عليّ إلا ذلك، وقد لزمتكم الحجة: {وَيَسْتَخْلِفُ رَبّى قَوْمًا غَيْرَكُمْ} جملة مستأنفة لتقرير الوعيد بالهلاك، أي يستخلف في دياركم وأموالكم قومًا آخرين، ويجوز أن يكون عطفًا على: {فقد أبلغتكم}.
وروى حفص عن عاصم أنه قرأ: {ويستخلف} بالجزم حملًا على موضع فقد أبلغتكم: {وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا} أي: بتوليكم، ولا تقدرون على كثير من الضرر ولا حقير: {إِنَّ رَبّى على كُلّ شَئ حَفِيظٌ} أي رقيب مهيمن عليه يحفظه من كل شيء، قيل: وعلى بمعنى اللام، فيكون المعنى: لكل شيء حفيظ، فهو يحفظني من أن تنالوني بسوء.
{وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا} أي: عذابنا الذي هو إهلاك عاد: {نَجَّيْنَا هُودًا والذين ءامَنُواْ مَعَهُ} من قومه: {بِرَحْمَةٍ مّنَّا} أي: برحمة عظيمة كائنة منا؛ لأنه لا ينجو أحد إلا برحمة الله، وقيل هي الإيمان: {مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} أي: شديد، قيل: وهو السموم التي كانت تدخل أنوفهم: {وَتِلْكَ عَاد} مبتدأ وخبر، وأنث الإشارة اعتبارًا بالقبيلة.
قال الكسائي: إن من العرب من لا يصرف عاد ويجعله أسماء للقبيلة: {جَحَدُواْ بآيات رَبّهِمْ} أي: كفروا بها، وكذبوها وأنكروا المعجزات: {وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ} أي: هودًا وحده؛ لأنه لم يكن في عصره رسول سواه، وإنما جمع هنا؛ لأنّ من كذب رسولًا فقد كذب جميع الرسل.
وقيل: إنهم عصوا هودًا ومن كان قبله من الرسل، أو كانوا بحيث لو بعث الله إليهم رسلًا متعدّدين لكذبوهم: {واتبعوا أَمْرَ كُلّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} الجبار: المتكبر، والعنيد: الطاغي الذي لا يقبل الحق ولا يذعن له.
قال أبو عبيدة: العنيد العنود والعاند والمعاند، وهو المعارض بالخلاف منه، ومنه قيل للعرق الذي يتفجر بالدم، عاند.
قال الراجز:
إني كبير لا أطيق العندا

{وَأُتْبِعُواْ في هذه الدنيا لَعْنَةً} أي: ألحقوها، وهي: الإبعاد من الرحمة والطرد من الخير، والمعنى: أنها لازمة لهم لا تفارقهم ما داموا في الدنيا وأتبعوها: {يَوْمُ القيامة} فلعنوا هنالك كما لعنوا في الدنيا: {أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ} أي: بربهم.
وقال الفراء: كفروا نعمة ربهم، يقال: كفرته وكفرت به: مثل: شكرته وشكرت له: {أَلاَ بُعْدًا لّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} أي: لا زالوا مبعدين من رحمة الله، والبعد: الهلاك، والبعد: التباعد من الخير، يقال: بعد يبعد بعدًا: إذا تأخر وتباعد، وبعد يبعد بعدًا: إذا هلك، ومنه قول الشاعر:
لا يبعدن قومي الذين هم ** سم العداة وآفة الجزر

وقال النابغة:
فلا تبعدن إنّ المنية منهل ** وكل امرئ يومًا به الحال زائل

ومنه قول الشاعر:
ما كان ينفعني مقال نسائهم ** وقتلت دون رجالهم لا تبعد

وقد تقدّم أن العرب تستعمله في الدعاء بالهلاك.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة: {إِلاَّ عَلَى الذى فَطَرَنِى} أي: خلقني.
وأخرج ابن عساكر، عن الضحاك، قال: أمسك الله عن عاد القطر ثلاث سنين، فقال لهم هود: {استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مّدْرَارًا} فأبوا إلا تماديًا.
وأخرج أبو الشيخ، عن هارون التيمي، في قوله: {يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مُّدْرَارًا} قال: المطر.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ} قال: شدّة إلى شدّتكم.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن عكرمة، في قوله: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ} قال: ولد الولد.
وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس، في قوله: {إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعتراك بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوء} قال: أصابتك بالجنون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن سعيد قال: ما من أحد يخاف لصًا عاديًا، أو سبعًا ضاريًا، أو شيطانًا ماردًا فيتلو هذه الآية إلا صرفه الله عنه.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن مجاهد: {إِنَّ رَبّى على صراط مُّسْتَقِيمٍ} قال: الحق.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي مالك، في قوله: {عَذَابٍ غَلِيظٍ} قال: شديد.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة، في قوله: {كُلّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} قال: المشرك.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السديّ، قال: العنيد المشاقّ.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ، في قوله: {وَأُتْبِعُواْ في هذه الدنيا لَعْنَةً} قال: لم يبعث نبيّ بعد عاد إلا لعنت على لسانه.
وأخرج ابن المنذر، عن قتادة، في الآية قال: تتابعت عليهم لعنتان من الله: لعنة في الدنيا، ولعنة في الآخرة. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} عطف على قوله: {نوحًا}. أي: وأرسلنا إلى عاد و{أخاهم} بمعنى (واحدًا) منهم كما يقولون: (يا أخا العرب): {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ} أي: وحده: {مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ} أي: باتخاذ الأوثان شركاء وجعلها شفعاء.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [51].
{يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي} إنما خاطب كل رسول به قومه، إزاحة للتهمة، وتمحيضًا للنصيحة، فإنها لا تنجع ما دامت مشوبة بالمطامع: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أي: تتفكرون، إذ تردون نصيحة من لا يسألكم أجرًا، ولا شيء أنفى للتهمة من ذلك، أو تتدبرون الصواب من الخطأ.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ} [52].
{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ} أي: من الوقوف مع الهوى بالشرك: {ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِْ} أي: من عبادة غيره، بالتوجه إلى التوحيد: {يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا} أي: كثيرة الدر، أي: الأمطار، منصوب على الحال من {السماء} ولم يؤنث مع أنه من مؤنث، إما لأن المراد بالسماء السحاب أو المطر، فذكر على المعنى، أو (مفعال) للمبالغة، يستوي فيه المذكر والمؤنث كصبور، أو الهاء حذفت من (مفعال) على طريق النسب- أفاده السمين-: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} أي: مضمومة إليها أو معها. أي: شدة إلى شدتكم بالقوة البدنية، أو بالمال أو البنين. وإنما استمالهم إلى الإيمان ورغبهم فيه بكثرة المطر، وزيادة القوة؛ لأن القوم كانوا أصحاب زروع وبساتين، حراصًا على التقوى بما ذكر، لثراء مالهم وترهيب أعدائهم وقد كانوا مثلًا في القوة، كما قالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت: من الآية 15]، {وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ} أي: تعرضوا عما أدعوكم إليه: {مُجْرِمِينَ} أي: مصرين على إجرامكم وآثامكم.